فصل: تفسير الآيات (7- 11):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



كذلك فإن دوران الأرض حو ل محورها من الغرب إلي الشرق يؤدي إلي دفع الهواء المحيط بالمنطقة الاستوائية في اتجاه الغرب. والحقيقة أن الدورة الفعلية للرياح لها عدد من الخلايا بين خط الاستواء وكل قطب من قطبي الأرض. وعند تحرك كتلة من الهواء من فوق خط الاستواء باتجاه أحد القطبين فإنه نتيجة لحفظ العزم الزاوي للهواء المتحرك فوق أرض تدور فإن الهواء المتحرك في اتجاه القطب لابد أن ينحرف شرقا. والهواء المتحرك فوق خط الاستواء لابد أن ينحرف في اتجاه الغرب. وبالمثل الرياح السطحية تتجه إلي الشرق. بينما تتجه الرياح الوسطي إلي الغرب.
والنتيجة هي دورة عامة للرياح شديدة الأنتظام حو ل الأرض. وذات عدة دوائر كبيرة بين خط الاستواء وكل قطب من قطبي الأرض منها دوائر حارة فوق المناطق الاستوائية. ودوائر باردة فوق القطبين. ودوائر معتدلة الحرارة بينهما. مع وجود عدد من الجبهات الهوائية بين تلك الدوائر. وبالإضافة إلي ذلك تتدخل الظروف الجغرافية المحلية فيكون الهواء دافئا ورطبا فوق المحيطات المدارية. وحارا جافا فوق الصحاري. وباردا جافا فوق المناطق المكسوة بالجليد. وتتداخل هذه الكتل الهوائية. وتتكون بذلك السحب ومنها الممطر والعقيم وتحدث الاعاصير بمراحلها المختلفة وتتحرك كتل الهواء الساخن من المناطق الاستوائية في اتجاه القطبين. كما تتحرك كتل الهواء البارد من القطبين في اتجاه خطوط العرض العالية. في تموجات واضحة تظهر اثارها علي كل من أسطح البحار. وفي شواطئها (نيم البحر). وفي تموجات أسطح الكثبان الرملية (علامات النيم) وغير ذلك من اثار حركات كل من الرياح وأمواج البحار.
ومن الظروف الجغرافية المحلية التي تؤثر في حركة الرياح تضاريس سطح الأرض مثل السلاسل الجبلية. والتلال. والهضاب. والسهو ل والمنخفضات. والكتل المائية المختلفة. ففي الصيف تسخن اليابسة بسرعة أكبر من المحيطات. وفي الشتاء يحتفظ ماء المحيطات بالحرارة لمدة أطو ل فتكون أدفأ من اليابسة. وينشأ عن تلك الفروق نسيم البر والبحر. كما ينشأ عن فروق التضاريس دورة الرياح بين الجبال والأودية والمنخفضات. وهذه الحركات الأفقية للكتل الهوائية تصاحبها حركات رأسية. فإذا ارتفعت درجة حرارة كتلة من الهواء بحيث تصبح أدفأ من الهواء المحيط بها. فإن الهواء الساخن يصعد إلي أعلي. فيتناقص ضغطه وتنخفض درجة حرارته. وتبدأ ما فيه من رطوبة في التكثف إذا وصلت درجة الحرارة إلي نقطة التشبع (نقطة تكون الندي). وبذلك تتكون السحب وتتهيأ الفرص لهطو ل المطر بإذن الله.
من هذا العرض يتضح أن الرياح التي تبدو للمراقب من الناس هو جاء عاصفة لها في الحقيقة توزيع دقيق علي سطح الأرض. تحكمه قوانين شديدة الأنضباط. وقد وصف القرآن الكريم هذه الدقة في التوزيع والأنضباط في الحركة بوصف معجز هو تصريف الرياح. بمعني أن الرياح لا تتحرك هذه الحركات العديدة بذاتيتها. ولكن بقدرة الله الذي يصرفها بعلمه وبحكمته كيفما يشاء. والرياح تقوم بدور رئيسي بإذن الله في تكوين السحب. وإنزال المطر. وإتمام دورة الماء حو ل الأرض وإلا فسد. وفي تفتيت الصخور وتعريتها. وتكوين التربة والرمال السافية وتحريكها. وفي تلطيف الجو وتكييفه. وتطهيره من الملوثات التي تحملها حركة الرياح جنوبا وشمالا في اتجاه قطبي الأرض وغير ذلك من المهام الرئيسية في جعل الأرض صالحة للعمران. فسبحان مصرف الرياح. ومجري السحاب. ومنزل القطر الذي أنزل في محكم كتابه. وعلي خاتم أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم من قبل ألف وأربعمائة من السنين هذا الوصف المعجز (تصريف الرياح). وهو وصف لم يدرك العلم الكسبي دلالته إلا في القرن العشرين وبعد مجاهدة استغرقت جهود الاف من المتخصصين. وهو مع دقته يؤكد أن حركة الرياح وإن فهمنا بعض القوي الدافعة لها تبقي من جند الله. يجريها وفق مشيئته بالخير لمن يشاء من عباده. كما يجريها وفق إرادته لإبادة العاصين من الكفار والمشركين المتجبرين في الأرض والمحاربين لعباد الله فيها. ففهمنا لميكانيكية الحدث لا يخرجه عن إطار كونه من جند الله. خاضعا لإرادته ومشيئته. فالحمد لله الذي أنزل القرآن بعلمه. وعلمه خاتم أنبيائه ورسله. وأبقاه شاهدا علي حقيقة نبوته ورسالته. وحفظه بلغة وحيه حفظا كاملا علي مدي أربعة عشر قرنا أو يزيد وإلي يوم الدين. هاديا لطلاب الحق في كل مكان وزمان.
وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد. اهـ.

.تفسير الآيات (7- 11):

قوله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيات اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آياتنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أولئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9) مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ ولا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا ولا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أوليَاءَ ولهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10) هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بآيات رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان لا يبقى على الكفر نوع بقاء فضلًا عن الإصرار بعد هذا البيان إلا من يستحق النكال لمجاهرته بالعناد. قال على وجه الاستنتاج مهددًا: {ويل} أي مكان معروف في جهنم {لكل أفاك} أي مبالغ في صرف الحق عن وجهه {أثيم} أي مبالغ في اكتساب الإثم وهو الذنب. وعمل ما لا يحل مما يوجب العقاب. وفسر هذا بقوله: {يسمع آيات الله} أي دلالات الملك الأعظم الظاهرة حال كونها {تتلى} أي يواصل استماعه لها بلسان القال أو الحال من أيّ تال كان. عالية {عليه} بجميع ما فيها من سهو لة فهمها وعذوبة ألفاظها وظهور معانيها وجلالة مقاصدها مع الإعجاز فكيف إذا كان التالي أشرف الخلق.
ولما كانت تلاوتها موجبة لإقلاعه فكان إصراره مع بعد رتبته في الشناعة مستبعدًا كونه قال: {ثم يصر} أي يدوم دومًا عظيمًا على قبيح ما هو فيه حال كونه {مستكبرًا} أي طالبًا الكبر عن الإذعان وموجدًّا له.
ولما كان مع ما ذكر من حاله يجوز أن يكون سماعه لها. خفف من مبالغته في الكفر. بين أنها لم تؤثر فيه نوعًا من التأثير. فكان قلبه أشد قسوة من الحجر فقال: {كأن} أي كأنه {لم يسمعها} فعلم من ذلك ومن الإصرار وما قيد به من الاستكبار أن حاله عند السماع وقبله وبعده على حد سواء. وقد علم بهذا الوصف أن كل من لم ترده آيات الله تعالى كان مبالغًا في الإثم والإفك. فكان له الويل.
ولما كان الإصرار معناه الدوام المتحكم. لم يذكر الوقر الذي هو من الأمراض الثابتة كما ذكره في سورة لقمان. قال ابن القطاع وابن ظريف في أفعالهما. أصر على الذنب والمكروه: أقام. وقال عبد الغافر الفارسي في المجمع: أصررت على الشيء أي أقمت ودمت عليه. وقال ابن فارس في المجمل: والإصرار: العزم على الشيء والثبات عليه. وقال أبو عبد الله القزاز في ديوانه ونقله عن عبد الحق في واعيه: وأصل الصر الإمساك. ومنه يقال: أصر فلان على كذا. أي أقام عليه وأمسكه في نفسه وعقده لأنه قد يقول ما ليس في نفسه وما لا يعتقده. والرجل مصر على الذنب أي ممسك له معتقد عليه. ثم قال: من الإصرار عليه وهو العزم على أن لا يقلع عنه. وقال الأصفهاني تبعًا لصاحب الكشاف: وأصله من أصر الحمار على العانة. وهو أن ينحني عليها صارًا أذنيه.
ولما أخبر عن ثباته على الخبث. سببب عنه تهديده في أسلوب دال- بما فيه من التهكم- على شدة الغضب وعلى أنه إن كان له بشارة فهي العذاب فلا بشارة له أصلًا فقال تعالى: {فبشره} أي على هذا الفعل الخبيث {بعذاب} لا يدع له عذوبة أصلًا {أليم} أي بليغ الإيلام.
ولما بين تعالى كفره بما يسمع من الآيات. أتبعه ما هو أعم منه فقال: {وإذا علم} أي أيّ نوع كان من أسباب العلم {من آياتنا} أي على ما لها من العظمة بإضافتها إلينا {شيئًا} وراءه وكان كلما رأوا الإنسان في غاية التمكن منه. قال مبينًا للعذاب: {جهنم} أي تأخذهم لا محالة وهم في غاية الغفلة عنها بترك الاحتراز منها. ويحسن التعبير بالوراء أن الكلام في الأفاك. وهو انصراف الأمور عن أوجهها إلى اقفائها فهو ماش أبدًا إلى ورائه فهو ماش إلى النار بظهره. ويستعمل. (وراء) في الإمام. فيكون حينئذ مجارًا عن الإحاطة أي تأخذهم من الجهة التي هم بها عالمون والجهة التي هم بها جاهلون. فتلقاهم بغاية التجهم والعبوسة والغيظ والكراهة ضد ما كانوا عليه عند العلم بالآيات المرئية والمسموعة من الاستهزاء الملازم للضحك والتمايل بطرًا وأشرًا. ومثل ما كانوا عليه عند الملاقاة للمصدقين بتلك الآيات.
ولما كانوا يظهرون الركون إلى ما بأيديهم من الأعراض الفانية. قال: {ولا يغني عنهم} أي في دفع ذلك {ما كسبوا} أي حصلوا من الأمور التي أفادتهم العز الذي أو رثهم الاستهزاء {شيئًا} أي من إغناء.
ولما كان هؤلاء لما هم عليه من العمى يدعون إغناء الهتهم عنهم. قال مصرحًا بها: {ولا ما اتخذوا} أي كلفوا أنفسهم أي كلفوا أنفسهم بأخذه مخالفين لما دعتهم إليها فطرهم الأولى السليمة من البعد عنها.
ولما كان كفرهم إنما هو الإشراك. فكانوا يقولون (الله) أيضًا. قال معبرًا بما يفهم سفو ل ما سواه: {من دون الله} أي أدنى رتبة من رتب الملك الأعظم {أولياء} أي يطمعون في أن يفعلوا معهم ما يفعله القريب من النفع والذب والدفع {ولهم} مع عذابه بخيبة الأمر {عذاب عظيم} لا يدع جهة من جهاتهم ولا زمانًا من أزمانهم ولا عضوًا من أعضائهم إلا ملأه.
ولما أخبر عما لمن أعرض عن الآيات بما هو أجل موعظة وأردع زاجر عن الضلال. قال مشيرًا إلى ما افتتح به الكلام من المتلوالذي هذا منه: {هذا} أي التنزيل المتلوعليكم {هدى} أي عظيم جدًّا بالغ في الهداية كامل فيها. فالذين اهتدوا بآيات ربهم لأنهم- لم يغتروا بالحاضر لكونه زائلًا فاستعملوا عقولهم فآمنوا به لهم نعيم مقيم {والذين كفروا} أي ستروا ما دلتهم عليهم مرائي عقولهم به- هكذا كان الأصل. ولكنه نبه على أن كل جملة من جمله. بل كل كلمة من كلماته دلالة واضحة عليه سبحانه فقال: {بآيات ربهم} أي وهذه التغطية بسبب التكذيب بالعلامات الدالة على وحدانية المحسن إليهم فضلوا عن السبيل لتفريطهم في النظر لغروهم بالحاضر الفاني {لهم عذاب} كائن {من رجز} أي عقاب قذر شديد جدًّا عظيم القلقلة والاضطراب متتابع الحركات. قال القزاز. الرجز والرجس واحد {أليم} أي بليغ الإيلام. الآية من الاحتباك: ذكر الهدى أولا دليلًا على الضلال ثانيًا. والكفر والعذاب ثانيًا دليلًا على ضدهما أولا. وسره أنه ذكر السبب المسعد ترغيبًا فيه. والمشقى ترهيبًا منه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7)}.
اعلم أنه تعالى لما بيّن الآيات للكفار وبين أنهم بأي حديث يؤمنون إذا لم يؤمنوا بها مع ظهورها. أتبعه بوعيد عظيم لهم فقال: {وَيْلٌ لّكُلّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} الأفاك الكذب والأثيم المبالغ في اقتراف الاثام. واعلم ن هذا الأثيم له مقامان:
المقام الأول: أن يبقى مصرًا على الأنكار والاستكبار. فقال تعالى: {يَسْمَعُ ءايات الله تتلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ} أي يقيم على كفره إقامة بقوة وشدة {مستكبرًا} عن الإيمان بالآيات معجبًا بما عنده. قيل نزلت في النضر بن الحرث وما كان يشتري من أحاديث الأعاجم ويشغل بها الناس عن استماع القرآن والآية عامة في كل من كان موصوفًا بالصفة المذكورة. فإن قالوا ما معنى ثم في قوله: {ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا}؟. قلنا نظيره قوله تعالى: {الحمد للَّهِ الذي خَلَقَ السموات والأرض} إلى قوله: {ثْمَّ الذين كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1] ومعناه أنه تعالى لما كان خالقًا للسموات والأرض كان من المستبعد جعل هذه الأصنام مساوية له في العبودية كذا ههنا سماع آيات الله على قوتها وظهورها من المستبعد أن يقابل بالأنكار والإعراض.
ثم قال تعالى: {كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا} الأصل كأنه لم يسمعها والضمير ضمير الشأن ومحل الجملة النصب على الحال أي يصير مثل غير السامع.
المقام الثاني: أن ينتقل من مقام الإصرار والاستكبار إلى مقام الاستهزاء فقال: {وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءاياتنا شَيْئًا اتخذها هُزُوًا} وكان من حق الكلام أن يقال اتخذه هزوًا أي اتخذ ذلك الشيء هزوًا إلا أنه تعالى قال: {اتخذها} للإشعار بأن هذا الرجل إذا أحس بشيء من الكلام أنه من جملة الآيات التي أنزلها الله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم خاض في الاستهزاء بجميع الآيات ولم يقتصر على الاستهزاء بذلك الواحد.
ثم قال تعالى: {أولئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} أولئك إشارة إلى كل أفاك أثيم لشموله جميع الأفاكين. ثم وصف كيفية ذلك العذاب المهين فقال: {مّن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ} أي من قدامهم جهنم. قال صاحب (الكشاف): الوراء اسم للجهة التي توارى بها الشخص من خلف أوقدام. ثم بيّن أن ما ملكوه في الدنيا لا ينفعهم فقال: {ولاَ يُغْنِى عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئًا}.
ثم بيّن أن أصنامهم لا تنفعهم فقال: {ولاَ مَا اتخذوا مِن دُونِ الله أوليَاء}.
ثم قال: {ولهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ} فإن قالوا إنه قال قبل هذه الآية {لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} فما الفائدة في قوله بعده {ولهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ} قلنا كون العذاب مهينًا يدل على حصو ل الإهانة مع العذاب وكونه عظيمًا يدل على كونه بالغًا إلى أقصى الغايات في كونه ضررًا.
ثم قال: {هذا هُدًى} أي كامل في كونه هدىً {والذين كَفَرُواْ بآيات رَبّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مّن رّجْزٍ أَلِيمٌ} والرجز أشد العذاب بدلالة قوله تعالى: {فَأَنزَلْنَا عَلَى الذين ظَلَمُواْ رِجْزًا مّنَ السماء} [البقرة: 59] وقوله: {لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرجز} [الأعراف: 134] وقرئ {أَلِيمٌ} بالجر والرفع. أما الجر فتقديره لهم عذاب من عذاب أليم وإذا كان عذابهم من عذاب أليم كان عذابهم أليمًا. ومن رفع كان المعنى له عذاب أليم ويكون المراد من الرجز الرجس الذي هو النجاسة ومعنى النجاسة فيه قوله: {ويسقى مِن مَّاء صَدِيدٍ} [إبراهيم: 16] وكأن المعنى لهم عذاب من تجرع رجس أوشرب رجس فتكون من تبيينًا للعذاب. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7)}.
الويل في كلام العرب: المصائب والحزن والشدة من هذه المعاني. وهي لفظة تستعمل في الدعاء على الإنسان. وروي في بعض الآثار أن في جهنم واديًا اسمه: {ويل}. وذهب الطبري إلى أنه المراد بالآية. ومقتضى اللغة أنه الدعاء على أهل الإفك والإثم بالمعاني المتقدمة. والأفاك: الكذاب الذي يقع منه الإفك مرارًا. والأثيم: بناء مبالغة. اسم فاعل من أثم يأثم.
وروي أن سبب هذه الآية أبو جهل. وقيل النضر بن الحارث. والصواب أن سببها ما كان المذكوران وغيرهما يفعل. وأنها تعم كل من دخل تحت الأوصاف المذكورة إلى يوم القيامة: و: {يصر} معناه: يثبت على عقيدته من الكفر.
وقوله: {فبشره بعذاب} حسن ذلك لما أفصح عن العذاب. ولوكانت البشارة غير مقيدة بشيء لما حصلت إلا على المحاب.
وقرأ جمهور الناس: {وإذا عَلِمَ} بفتح العين وتخفيف اللام. والمعنى: وإذا أخبر بشيء {من آياتنا} فعلم نفس الخبر لا المعنى الذي تضمنه الخبر ولوعلم المعاني التي تضمنها إخبار الشرع وعرف حقائقها لكان مؤمنًا. وقرأ قتادة ومطر الوراق {عُلِّم} بضم العين وشد اللام.